درس : تطور النظام السياسي والتجارب التنموية
المقدمة : ساد الاعتقاد لدى العديد من
التونسيين بأن الاستقلال هو المفتاح لإرساء النظام الديمقراطي و الحل اللازم
للخروج بالبلاد من التخلف و التبعية و مما كانت تعانيه من اختلالات فكرية و
اجتماعية موروثة عن الاستعمار. فتعاقبت الحكومات في العهد البورقيبي و تنوعت
التجارب التنموية متأثرة بالظروف المحلية و العالمية.
فإلى أي مدى توفقت هذه الحكومات في تحقيق طموحات التونسيين في
التحرر السياسي و النهوض الاقتصادي و الرقي الاجتماعي؟؟
I ـ
نظام الحزب الواحد و التجربة التنموية الاشتراكية في الستينات:
1 ـ نظام الحزب الواحد:
بعد 1959، انطلق الاشتغال الفعلي للنظام السياسي الجديد بعد
استكمال بناء هياكله الأساسية بقيادة الحبيب بورقيبة الذي تعززت مكانته على رأس
الدولة بفضل شخصيته الكاريزماتية و الصلاحيات الواسعة التي منحها له الدستور. و قد
كان بورقيبة يهدف إلى تثبيت مؤسسات الدولة العصرية و تدعيم المسار الديمقراطي و
ترسيخ ما سماه بت:"الوحدة القومية".
و قد تعرض نظام بورقيبة إلى محاولة انقلابية فاشلة سنة 1962 [ قام
بها البعض من الضباط و اليوسفيين و قدماء المقاومين و منهم الأزهر الشرايطي ]. و
كانت هذه المحاولة بمثابة مقطة تحول حيث مال النظام البورقيبي إلى
التشدد و التراجع التدريجي عن التمشي الديمقراطي من خلال مجموعة
من الإجراءات كمنع الحزب الشيوعي التونسي و جماعة الحزب الدستوري القديم من النشاط
في جانفي 1963. و منع التعددية الحزبية و إقرار نظام الحزب الواحد بداية من 2 مارس
1963. ثم أقر الحزب الحاكم في مؤتمره في بنزرت في أكتوبر 1964 اتخاذ تسمية جديدة
هي "الحزب الاشتراكي الدستوري" في تناغم مع التوجه الاشتراكي الذي وقع
إقراره.و قد اعتبر الحزب كل منظمات المجتمع المدني امتدادا له و يقتصر دورها على
تأطير منخرطيها و تطبيق أوامر الحكومة.
=== تدرج المشهد السياسي التونسي نحو تركيز
نظام أحادي يمنع أي نشاط سياسي خارج هياكل الحزب الحاكم، و قد ظهرت بوادر أزمة هذا
النظام مع بداية الصراع على خلافة بورقيبة منذ أول نوبة قلبية تعرض لها في مارس
1967.
2 ـ التجربة الاشتراكية
و حصيلتها:
تبنت الدولة الوطنية في السنوات الأولى للاستقلال توجها تنمويا
ليبراليا إلا أن ضعف رأس المال الخاص دفع إلى اعتماد الاقتصاد الموجه أو التجربة
الاشتراكية التي ميزت فترة الستينات.
أ ـ التجربة الاشتراكية :
تميزت هذه التجربة بالتدخل المكثف للدولة لتطوير الاقتصاد لكن دون
القضاء على الملكية الفردية. و بدأت هذه الفترة مع تولي أحمد بن صالح مهام كاتب
الدولة للتصميم و المالية و التجارة بين 1960 و 1962 و بدأ الشروع في تطبيق مخططات
رباعية للتنمية. اعتمد هذا التوجه التنموي على التخطيط الشامل لكل القطاعات ضمن
تجربة ارتكزت أساسا على سياسة التعاضد خاصة في القطاعين الفلاحي و التجاري. و
لتمويل هذه السياسة، تم الترفيع في نسبة الضرائب و
الضغط على الأجور و التخفيض في قيمة الدينار. كما تم الالتجاء إلى القروض الخارجية.
انطلق إرساء سياسة التعاضد ببعث تعاضديات إنتاج نموذجية على أراضي
الدولة ثم تجميع صغار الفلاحين في إطار تعاضديات إنتاج مماثلة إلى جانب تعاضديات
خدمات بهدف تعصير طرق الإنتاج في القطاع الفلاحي و تشغيل اليد العاملة. كما وقع
تجميع عديد التجار في تعاضديات كبرى و إنشاء الشركات الجهوية للتجارة و الشركات
الجهوية للنقل... و في إطار هذا التوجه الاشتراكي، كانت الدولة هي أهم باعث و ممول
للمشاريع الصناعية و ساهمت في بعث مشاريع مشتركة بتمويل خارجي و رصدت لذلك
اعتمادات كبيرة. و قد تميزت سياسة التصنيع خلال هذه الفترة ببعث أقطاب صناعية ذات
أبعاد تنموية شملت أنحاء عديدة من البلاد مثل المجمع الكيميائي بقابس و معمل السكر
بباجة و معمل عجين الحلفاء بالقصرين و معمل الفولاذ بمنزل بورقيبة....كما أشرفت
الدولة على تنمية القطاع السياحي بإحداث نوى لمناطق سياحية ساحلية و قامت ببعث
الشركة التونسية للنزل و السياحة لدفع هذا القطاع.
ب ـ الحصيلة الاقتصادية و الاجتماعية للتجربة الاشتراكية:
بعد 8 سنوات من تطبيق "الاشتراكية الدستورية" أو
الاقتصاد الموجه، تحققت للبلاد بعض المكاسب منها: تمكن الحكومة من توسيع
"الادخار القومي". كما استفادت البلاد من التجهيزات الأساسية في مختلف
القطاعات و خاصة من بعث مشاريع صناعية كبرى مثل معمل تكرير النفط ببنزرت و معمل
الفسفاط بقابس...أما على المستوى الصحي فقد أصبح أكثر من نصف السكان يتمتعون
بالعلاج المجاني سنة 1969. كما تطورت نسبة التمدرس من 22 % سنة 1956 إلى حوالي 60
% سنة 1969.
لكن رغم هذه المكاسب، لم تتمكن التجربة الاشتراكية من تحقيق كل أهدافها،
حيث لم تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي 5,3% بين 1960 و 1970. كما اتسمت هذه الفترة
بركود الإنتاج الفلاحي و عدم إسهام حركة التصنيع في الحد من التفاوت الجهوي و في
التخلص من التبعية الصناعية للخارج.
=== شهدت نهاية الستينات أزمة اجتماعية
تزامنت مع أزمة قطاع التعاضد الذي واجه إلى جانب الصعوبات الطبيعية، معارضة كل
الأطراف خاصة عند اتخاذ قرار تعميم التعاضد سنة 1969. فتم التخلي في سبتمبر 1969
عن "التجربة الاشتراكية" لفائدة نموذج تنموي يتميز بانفتاح اقتصادي
تدريجي.
II السبعينات
و بداية الثمانينات: انغلاق سياسي و انفتاح اقتصادي:
1 ـ انغلاق
سياسي و الرئاسة مدى الحياة:
أ ـ حكومة
الهادي نويرة في السبعينات:
يوم 6
نوفمبر 1970، أصبح الهادي نويرة وزيرا أول خلفا للباهي الأدغم. على المستوى
السياسي، تشبثت حكومته بنفس آليات سياسة الستينات: النظام الأحادي و الانغلاق
السياسي. ففي سنة 1971، أقصى الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم العناصر المناصرة
للانفتاح الديمقراطي في صفوفه. فانبعثت من رحمه حركتان معارضتان: حركة
الديمقراطيين الاشتراكيين بقيادة أحمد المستيري و حركة الوحدة الشعبية بقيادة أحمد
بن صالح.
و في سنة
1975، وقع تعديل الدستور بمنح الحبيب بورقيبة الرئاسة مدى الحياة و إقرار الخلافة
الآلية للوزير الأول بدل رئيس مجلس الأمة. و منح التعديل الثاني للدستور سنة 1976
لمجلس الأمة صلاحية مراقبة الحكومة بعد أن كانت مسؤولة فقط أمام رئيس الدولة.
و قد ساهم
التعارض بين الانفتاح الاقتصادي و الانغلاق السياسي في السبعينات في تعدد الأزمات
خاصة بعد تصدع التحالف بين الحزب الاشتراكي الدستوري و الإتحاد العام التونسي
للشغل و ما رافقه من مصادمات مع السلطة كانت أبرزها أحداث 26 جانفي 1978.
رغم ما
شهده المجتمع التونسي في السبعينات من تحولات تمثلت أساسا في بروز نخبة مثقفة
منفتحة على تيارات فكرية و سياسية متنوعة، إلا أن التمسك بالنظام الأحادي
على الصعيد السياسي أدى إلى اتساع نطاق المعارضة مما حتم ضرورة المراجعة لتجنب
الانهيار. فاتخذت الدولة جملة من الإجراءات في اتجاه انفتاح سياسي نسبي تزامن مع
انسحاب الهادي نويرة من الحياة السياسية و تعيين محمد مزالي وزيرا أول في بداية
الثمانينات.
ب ـ حكومة
محمد مزالي في الثمانينات:
استمرت
حكومة مزالي من أفريل 1980 إلى جويلية 1986. و قد اتخذت هذه الحكومة جملة من
الإجراءات ساهمت نسبيا في الحد من توتر الوضع السياسي منها: الإفراج عن السجناء
السياسيين و النقابيين و عودة القيادة الشرعية للإتحاد العام التونسي للشغل إلى
سالف نشاطها، و إتاحة هامش من الحرية لصحافة الرأي، فصدرت عديد الصحف مثل الموقف،
الرأي، أطروحات، مجلة المغرب،...و تنظيم إنتخابات تشريعية تعددية في نوفمبر 1981 ـ
رغم ما حام من شكوك حول نزاهتها ـ كذلك السماح بالتعددية الحزبية مثل رفع الحضر عن
الحزب الشيوعي التونسي و منح التأشيرة القانونية لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين و
حزب الوحدة الشعبية...لكن هذا التوجه الديمقراطي لم يعمر طويلا أمام العودة إلى
سياسة الانغلاق و التشدد و احتدام الصراع حول خلافة بورقيبة.
2 ـ التوجه
الاقتصادي الليبرالي و حدوده:
أ ) التجربة الليبرالية :
بدأ التوجه
الليبرالي مع تولي الهادي نويرة قيادة الحكومة في نوفمبر 1970، فاتخذت إجراءات
متعددة لتصفية آثار التعاضد و إعطاء الأولوية للقطاع الخاص لتنشيط الاقتصاد. و من
هذه الإجراءات: إعادة هيكلة الأراضي الفلاحية مع حل بعض التعاضديات و إعادة
الملكيات لأصحابها، فاحتلت الملكية الخاصة المكانة الأولى بأكثر من 53 % من
الأراضي الفلاحية على حساب أراضي الدولة و الأراضي التعاضدية.ما تراجعت نسبة
الاستثمارات المخصصة للقطاع الفلاحي لفائدة القطاع الصناعي. كما شجعت الدولة
الاستثمارات في الصناعات المعملية بدعم المبادرة الخاصة المحلية و الأجنبية خاصة
مع سن قانون أفريل 1972 الهادف إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية و منحها امتيازات
جمركية و جبائية. ا وقع حل التعاضديات التجارية و إلغاء احتكار الدولة تدريجيا
للتجارة الخارجية لفائدة الخواص. و دعمت الدولة أيضا النشاط السياحي و رفضت بعض
القيود عن النشاط المصرفي و انفتاحه التدريجي على السوق العالمية مع فتح الباب
أمام البنوك الأجنبية لتركيز فروع لها في تونس.
ب) حصيلةالتجربة الليبرالية: أدت تجربة
الانفتاح الاقتصادي إلى ارتفاع نسق النمو و معدل إحداث مواطن الشغل و تحقيق
انتعاشة اقتصادية خاصة في النصف الأول من السبعينات مع تعاقب السنوات الممطرة و
ارتفاع أسعار النفط. و بدأت سلبيات الانفتاح الاقتصادي تظهر منذ أواسط السبعينات
خاصة مع محافظة القطاع العام على وزنه في الحياة الاقتصادية شكل عبئا على ميزانية
الدولة لضعف مردوديته و ارتفاع كلفته. كما ساهمت مجموعة أخرى من العوامل مثل تراجع
أسعار الفسفاط و النفط في السوق العالمية، و الإجراءات الحمائية التي اتخذتها
السوق الأوروبية المشتركة،...ساهمت في تفاقم الأزمة الاقتصادية
و الاجتماعية التي شهدتها البلاد التونسية في منتصف الثمانينات
و استوجبت القبول بوصفة البنك العالمي و صندوق النقد الدولي المتمثلة في برنامج
الإصلاح الهيكلي لإصلاح الاقتصاد التونسي و تزامن ذلك مع تعيين رشيد صفر كوزير أول
خلفا لمحمد مزالي في جويلية 1986
. III حصيلة التجارب التنموية و تحول 7 نوفمبر 1987:
. III حصيلة التجارب التنموية و تحول 7 نوفمبر 1987:
1) الحصيلة الاقتصادية و الاجتماعية للتجارب التنموية بين 1956 و 1987:
أ ـ على المستوى الاقتصادي:
حققت التجارب التنموية في العهد البورقيبي عدة مكاسب على المستوى الاقتصادي منها تحول بنية الاقتصاد التونسي و انتقاله من اقتصاد تقليدي قائم على الأرض إلى اقتصاد متعدد الموارد يرتفع فيه نصيب الصناعات و الخدمات في خلق مواطن الشغل و المساهمة في تكوين الناتج الداخلي الخام. كما توسعت الصناعات التحويلية خاصة صناعات النسيج و مواد البناء و تدعمت مكانة النشاط السياحي الذي ارتفعت مساهمته في خلق مواطن الشغل المباشرة و غير المباشرة إلى جانب دوره في تغطية جانب من عجز ميزان الدفوعات. إضافة إلى ذلك تنوع الإنتاج الفلاحي و الصناعي و ارتفعت الإنتاجية بفضل التعصير النسبي في وسائل الإنتاج و تحسنت نسبيا البنية التحتية للبلاد.
لكن هذه المكاسب لا تحجب الاختلالات التي بدأت تظهر منذ أواسط السبعينات، من ذلك الاختلال بين نسبة النمو الاقتصادي المتعثر و نسبة النمو الديمغرافي الهام. و الاختلال بين محدودية الموارد و تزايد النفقات و ارتفاع قيمة المديونية الخارجية و ارتفاع فوائدها نتيجة ارتفاع قيمة بعض العملات الأجنبية. كما تضخم الاستهلاك بنسبة أعلى من نسق الإنتاج مما ساهم في تراجع الادخار الوطني. هذا إضافة إلى محدودية القدرة على توفير فرص العمل.
هذه الاختلالات دفعت بالبلاد التونسية إلى قبول ضغوطات صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و الانخراط في برنامج الإصلاح الهيكلي القائم على الشروع في خوصصة المؤسساات العمومية و الحد من تدخلات صندوق التعويض و التحرير التدريجي للواردات بالتخفيض أو إلغاء المعاليم الجمركية إضافة إلى تشجيع و دفع الصادرات.
ب ـ على المستوى الاجتماعي:
تحققت في العهد البورقيبي مكاسب اجتماعية عديدة أهمها تراجع نسبة الفقر و تحسن نسبي في مستوى عيش السكان عموما. و ظهور فئات جديدة في أعلى الهرم الاجتماعي للبلاد: المستثمرين و كبار الإداريين و أصحاب المهن الحرة استفادت من التسهيلات الجبائية التي قدمتها الدولة. كما توسعت الطبقة الوسطى لتصبح مهيمنة على التركيبة الاجتماعية مما ساهم في التخفيف من التناقضات الاجتماعية الحادة و من حدة الصراعات الاجتماعية. كما تدعمت مكانة المرأة و انخرطت في سوق الشغل. و ارتفع عدد المتعلمين مع انتشار التعليم في مختلف الأوساط و مختلف أنحاء البلاد و ارتفاع نسبة التمدرس مع انخفاض نسبة الأمية. و يعتبر تحسن الرعاية الصحية من بين المكاسب الاجتماعية بفضل توفر التجهيزات و الإطارات الطبية عالية التأهيل.
اعتبرت هذه المكاسب من أبرز مآثر فترة حكم الحبيب بورقيبة إلا أنها لا تحجب بعض التناقضات مثل تنامي الفوارق الاجتماعية نتيجة الدعم المكثف للخواص و تراجع المكانة الاجتماعية للأجراء و لموظفي القطاع العام. كما تراجعت مردودية النظام التعليمي منذ أواخر السبعينات و بداية الثمانينات إضافة إلى بروز مشكل البطالة و تفاقمها.
2) تأزم الأوضاع في الثمانينات و تحول 7 نوفمبر 1987:
مع انهيار أسعار الفسفاط و النفط في السوق العالمية و تراجع قيمة الدينار أمام الدولار، و تفاقم عجز ميزان الدفوعات و صندوق التعويض و تفشي البطالة،...فشلت حكومة محمد مزالي في معالجة الاختلالات الاقتصادية و الاجتماعية مما أدى إلى مزيد تعميق الأزمة التي بلغت ذروتها في انتفاضة 3 جانفي 1984 التي عرفت بـ"انتفاضة الخبز". و ازداد الموقف تشنجا بعودة الصدام بين الحكومة و اتحاد الشغل سنة 1985 و تعددت الإضرابات العمالية و الاحتجاجات الطلابية و تنامي الحركة الإسلامية،...
و ساهم تقدم بورقيبة في السن و استفحال مرضه في تحول مركز القرار من الرئاسة إلى أطراف متضاربة المصالح و متصارعة على خلافته و في ظل هذه الصراعات وقع تعويض ممد مزالي برشيد صفر في جويلية 1986. و يوم 2 أكتوبر 1987 وقع تعيين وزير الداخلية زين العابدين بن علي وزيرا أول مما مكنه من الانقضاض على السلطة فقام يوم 7 نوفمبر 1987 بإعفاء بورقيبة من الرئاسة استنادا إلى الدستور الذي وقع تنقيحه منذ 1975 بتعلة شيخوخته و مرضه و بالتالي عجزه عن إدارة الدولة.
=== شهدت الحياة السياسية طيلة العقود الثلاثة من الحكم البورقيبي فترات مد و جزر في ظل نظام سياسي اتسم عموما بالأحادية و الحكم الفردي. و قد خاضت البلاد طيلة هذه الفترة تجارب تنموية متنوعة مكنت البلاد من إحراز بعض التقدم في مجال التنمية الاقتصادية و الاجتماعية رغم محدودية مواردها الطبيعية. و بعد 1987 دخلت البلاد مرحلة تبدو جديدة في مظاهرها لكن في جوهرها لم تمثل قطيعة مع الفترة البورقيبية بل امتدادا لها خاصة من حيث تدعيم الانفتاح الاقتصادي ـ مع الشروع في تطبيق برامج الإصلاح الهيكلي ـ و مزيد إحكام قبضة الدولة و الحزب الحاكم ـ الذي تغيرت تسميته إلى التجمع الدستوري الديمقراطي ـ على الحياة العامة، مدعمة بفئة محظوظة استفادت كثيرا من قربها من السلطة. فكانت فترة حكم زين العابدين بن علي متميزة بمزيد من الانفتاح الاقتصادي و مزيد من الانغلاق السياسي مع نفوذ مطلق لبعض الأفراد....