درس : القضية الفلسطينية
مقدّمة: تستمد القضية الفلسطينية جذورها
من قيام الحركة الصهيونية وتحالفها
مع الإمبريالية لتحقيق
مشروعها المتمثل في إقامة
دولة لليهود في فلسطين , ولم تكن
الظرفية المنبثقة عن الحرب العالمية
الثانية مواتية للفلسطينيين لتحقيق التحرر على غرار بقية
الشعوب بقدر ما كانت ملائمة للصهاينة لإعلان دواتهم
في ماي 1948 .
ما هي جذور القضية الفلسطينية ؟ وما هي
ظروف نشأة الكيان الصهيوني ؟ وكيف تطورت القضية الفلسطينية بعد الحرب العالمية الثانية
؟
I- جذور القضية الفلسطينية
ومقاومة المشروع الصهيوني والانتداب البريطاني
قبل الحرب العالمية الثانية :
1/ التحالف الصهيوني الإمبريالي لتحقيق المشروع
الصهيوني:
أ
- تأكّد الأطماع الإمبريالية
بالمشرق العربي عشية الحرب العالمية الأولى :
تزايدت الأطماع الإمبريالية بالمشرق العربي منذ أواخر القرن19م وكانت الرغبة
جامحة في السيطرة على طريق الهند وآسيا عموما، وقد تدعمت هذه الرغبة بالخصوص إثر حفر قناة السويس (1869 ) وبعد اكتشاف النفط بالمشرق العربي (1932 ) وقد انطلقت عملية تجسيم هذه الأطماع منذ إبرام معاهدة سايكس بيكو ( ماي 1916) بين بريطانيا وفرنسا وتدعمت إثر الحرب
العالمية الأولى بفرض نظام الانتداب على
أغلب أُقطار المشرق العربي ( ندوة سان ريم . أفريل1920 ) وقد كانت فلسطين من نصيب بريطانيا.
ب
- قيام الحركة الصهيونية:
برزت الحركة الصهيونية في أوروبا في أواخر القرن
التاسع عشر مع تنامي اللاسامية وهي نزعة دينية تتمثل في معاداة المسيحيين في
أوروبا لليهود الذين حسب اعتقادهم قاتلوا المسيح، تمّ استغلال هذه الظاهرة من طرف
الطبقات الحاكمة الأوروبية خلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. احتدّت اللاسامية
في أواخر القرن الـ19 مع احتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في
أوروبا الرأسمالية، وهي تهدف إلى حمل اليهود ـ لاعتبارهم عنصر غير قابل للاندماج ـ على مغادرة البلدان الأوروبية في
اتجاه وطن يهودي خارج أوروبا.
استغلّ اليهود هذا العداء، فتنامت المنظمات
الصهيونية مثل "جمعية عشاق صهيون" سنة 1882 ، ثمّ تحّولت الصهيونية إلى
حركة أصدر الصحفي المجري اليهودي تيودور
هرتزل كتاب "الدولة اليهودية" سنة 1896 يدعو فيه إلى ضرورة إنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين. وفي سنة 1897 انعقد المؤتمر
الصهيوني الأول في "بال" السويسرية وأسفر عن إنشاء "المنظمة
الصهيونية العالمية" والتي ستعمل على تكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين
والحصول على دعم القوى الإمبريالية الأساسية ( بريطانيا والولايات المتحدة
الأمريكية ) لبناء وطن قومي لليهود بفلسطين.
ج
- الدعم البريطاني ـ الأمريكي للمشروع الصهيوني:
++ الدعم
البريطاني ويتمثل في :
ـ وعد بلفور: 2 نوفمبر1917: بمقتضاه تعد بريطانيا على لسان وزير خارجيتها
اللورد بلفور الحركة الصهيونية
بالمساعدة على بناء الوطن اليهودي بفلسطين
مقابل دعم الحركة لبريطانيا في الحرب العالمية الأولى. وقد
تمثل الدعم البريطاني للمشروع
الصهيوني في تعيين مندوب سامي يهودي بفلسطين " هربرت صاموئيل " وهو الذي سيعمل على تجسيم المشروع الصهيوني بفلسطين عبر تيسير الهجرة إليها .
هذا وقد تبنت القوى الاستعمارية المختلفة
وعد بلفور خلال ندوة سان ريمو ( أفريل 1920 ).
++ الدعم الأمريكي القوي غداة الحرب
العالمية الثانية:
نشأ تحالف جديد بين الحركة الصهيونية
والو. الم. الأم. على أساس التزام هذه الأخيرة بدعم المشروع الصهيوني مقابل دعم
المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط :
ـ
قرار الكونغرس دعم الهجرة اليهودية نحو فلسطين ( 19 ديسمبر 1945 ) .
ـ الضغط على بريطانيا لتسهيل هذه الهجرة باعتبارها الدولة المنتدبة
على فلسطين .
ـ المساندة اللامشروطة للرئيس
ترومان للمشروع الصهيوني .
Ü ارتفع عدد اليهود بفلسطين من 60 000 يهودي
سنة 1917
إلى 608 000 يهودي سنة 1946.
2/ المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني قبل
إعلان دولة إسرائيل (1936 ـ 1946 ):
احتدّت المقاومة اثر وعد بلفور
والانتداب البريطاني لفلسطين. وبلغت أوجها مع اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى ( 1936 ـ 1939 ) إحدى أهم
المحطات النضالية الفلسطينية وقد
ارتبطت بتدعيم الهجرة إلى فلسطين، وقد
نجحت هذه الثورة التي بلغت طور الكفاح المسلح بقيادة فوزي القاوقجي في تحرير مناطق شاسعة من فلسطين وفي ضرب المصالح البريطانية ومواجهة المجموعات الإرهابية الصهيونية .
II- تطور القضية الفلسطينية إثر الحرب العالمية الثانية :
1/ قيام دولة "إسرائيل" والمواجهات
العسكرية العربية الإسرائيلية وأثرها
في تغير خارطة فلسطين :
أ
- قرار التقسيم :
كانت الظروف المنبثقة عن الحرب
العالمية 2 مواتية للحركة الصهيونية وغير
ملائمة للقضية الفلسطينية:
-
ساهمت الحركة الصهيونية إلى جانب
الحلفاء في مقاومة الفاشية فكانت في صفوف المنتصرين بعد الحرب، بينما تحالف
الفلسطينيون ( الحاج أمين الحسيني ) مع المحور لمقاومة الصهيونية والاستعمار
الانكليزي فوجدوا أنفسهم في صفوف المنهزمين.
-
حظيت الصهيونية بدعم الرأي العام
الغربي بعد اكتشاف الجرائم النازية في حق اليهود ونشأت لديه "عقدة
الذنب" وسعى إلى التكفير عنها بدعم المشروع الصهيوني. واستغلّت الصهيونية
موقف الفلسطينيين أثناء الحرب وتقديمهم كعنصريين ومعادين للسامية وسعت إلى الخلط
بين المقاومة والنازية واللاسامية.
-
كسب الصهاينة أثناء الحرب خبرة عسكرية
وظفوها لإرهاب الفلسطينيين وتكوين عصابات إرهابية مثل " الهاغانا " أرغون " وشتيرن " ارتكبت العديد من
لمجازر.
في 29 نوفمبر 1947 صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية
ووضع القدس تحت الوصاية الأممية
فكيف كان رد فعل الفلسطينيين
والعرب على هذا القرار ؟
ب - رفض التقسيم وإعلان الحرب
على إسرائيل :
أعلن الحكام العرب رفضهم للتقسيم
كما عمل الفلسطينيون على إحباط مشروع التقسيم لكن رد فعل الصهاينة كان عنيفا (ارتكاب مجازر
مروعة كمجزرة دير ياسين 1948 ) وكان
الهدف منه هو حمل الفلسطينيين على مغادرة
البلاد وتغيير ميزان القوى لصالحهم
.
في 14 ماي 1948 قررت بريطانيا سحب قواتها من فلسطين فأعلن دافيد بن غريون في نفس اليوم عن قيام دولة "إسرائيل" . في 15 ماي 1948 أي في
اليوم الموالي لإعلان دولة الكيان الصهيوني اقتحمت جيوش الدول العربية المجاورة ( مصر ـ الأردن
ـ سوريا ـ لبنان ـ العراق ) الأراضي الفلسطينية ولئن تمكنت
من الانتصار في البداية على القوات الصهيونية فإن هذا الانتصار تحول إلى
هزيمة قاسية بعد أن استغل الكيان الصهيوني
الهدنة التي فرضها مجلس الأمن بضغط أمريكي
والدعم العسكري الغربي ( الأمريكي بالخصوص ) ليعيد تنظيم نفسه
فتمكّن من سحق الجيوش العربية.
Üحلّت النكبة بالفلسطينيين وفقدوا معظم
أراضيهم وشرد القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني
بالبلدان العربية المجاورة في المخيمات
مكتظة وتعرض الباقون في وطنهم إلى التنكيل
والتمييز العنصري. في المقابل توسّع
الكيان الصهيوني حصل على عضوية الأمم المتحدة
واعترفت به القوى العظمى (
الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي )
وعدد من الدول الأخرى.
2/ المقاومة الفلسطينية المسلحة
( 1949 ـ 1982 ):
أ - تأسيس حركة فتح
وقيام الثورة الفلسطينية 1957 ـ 1967
- تنامى العمل
الفدائي ضد الكيان الصهيوني خاصة بعد العدوان الثلاثي، وفي أكتوبر1957 أسس ياسر عرفات وصالح
خلف حركة التحرير الوطنية
الفلسطينية ( فتح ) والتي عملت منذ تأسيسها على استعادة المبادرة والتخلص التدريجي من سيطرة الأنظمة العربية
وقد أسست جناحا عسكريا يدعى "العاصفة".
- وفي سنة 1964 ظهرت منظمة
التحرير الفلسطينية OLP وهي بمثابة الجبهة الوطنية وستشمل
أغلب الفصائل الفلسطينية ( فتح، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية ... )
- في 1 جانفي 1965 انطلق الكفاح المسلح وفي جويلية 1968 تم وضع الميثاق الوطني الفلسطيني ومن أهم ما جاء فيه التأكيد
على تحرير كامل فلسطين واعتماد
الكفاح المسلح كوسيلة لتحقيق هذا الهدف.
ب - الصمود
رغم المصاعب 1967 ـ 1982
تصاعد العمل الفدائي بعد هزيمة جوان
1967 ( النكسة ) واحتلال الكيان الصهيوني لما تبقى من فلسطين ( الضفة والقطاع )
وصحراء سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، وقد أكدت هذه الهزيمة عجز الأنظمة
العربية على مواجهة هذا الكيان وتحرير فلسطين.فتعددت المواجهات مع الكيان الصهيوني
( معركة الكرامة في 21 مارس 1968 ).
بدأت الأنظمة العربية المجاورة تنزعج
من تصاعد المقاومة فتعدّدت المناورات ضدّ الحركة الفلسطينية مثل مجزرة أيلول
الأسود في الأردن والتي أدت إلى انسحاب المنظمة إلى سوريا ولبنان.
اثر حرب أكتوبر 1973 تدعمت الثورة
الفلسطينية وتصاعد الكفاح المسلّح، لكن في نفس الوقت تعدّدت المناورات ضدّها خاصة بعد
إبرام مصر لصلح منفرد مع الكيان الصهيوني ( اتفاقيات كامب دافيد في مارس 1979 ) فوجّه الكيان الصهيوني كل قوّته لضرب
المقاومة وإخراجها من لبنان, ونجح في ذلك
بعد اجتياح لبنان في صيف 1982 وحصار العاصمة بيروت أمام صمت الأنظمة العربية.
اضذرت المقاومة من الخروج من لبنان وتحوّلت قيادتها إلى تونس وتراجع الكفاح المسلّح،
فتغيّرت موازين القوى ضدّ الحركة الفلسطينية.
2/ النضال
السياسي والانخراط في مسار "السلام":
صادقت قمة فاس العربية 1983 على خطة "للسلام" تنص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الصفة الغربية وقطاع غزة وهو ما يعني القبول بقرار التقسيم وبذالك تخلت منظمة التحرير عن شعار "
التحرير الكامل " .اندلعت الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) أسهم في
تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية وانقسام الأقطار العربية حتى انفجار
"انتفاضة أطفال الحجارة" الأولى في ديسمبر 1987. في نوفمبر 1988 تم الإعلان عن
قيام الدولة الفلسطينية.
ازدادت الأوضاع سوءا بعد نهاية حرب
الخليج الثانية ( 1991 ) فبدأت منظمة التحرير في تعديل برامجها والانخراط في منطق
"الشرعية الدولية". ودخلت في مفاوضات مع الكيان الصهيوني وفي أكتوبر 1991 انعقد مؤتمر مدريد للسلام والذي أقر مبدأ " الأرض مقابل السلام
" . وبعد مفاوضات سرية بالنرويج أبرم
الفلسطينيون والإسرائيليون " اتفاقية أوسلو " التي أمضيت في
واشنطن في 13
سبتمبر 1993 الذي يمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا محدود ا مقابل
الاعتراف بالكيان الصهيوني ومكنت من إنشاء سلطة فلسطينية في قطاع غزة وأريحا .
خاتمة:
رغم
التنازلات الفلسطينية المؤلمة ظل الكيان الصهيوني يرفض تطبيق الاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينيين ولا يعترف بحق
العودة ويتمسك بالقدس كعاصمة أبدية لهذا الكيان وهو ما يفسر اندلاع الانتفاضة الثانية ( 2000 ) والتي أجبرت
منظمة الأمم المتحدة ثم
الولايات المتحدة لأول مرة
على الاعتراف بحق الفلسطينيين في
إقامة دولتهم إلى جانب دولة "إسرائيل".