درس : العلاقات الدولية:من الحرب الباردة إلى انهيار الاتحاد السوفياتي
مقدمة الدرس سميت الفترة الزمنية التي امتدت من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى بداية التسعينات
بالحرب الباردة،حيث انقسم العالم إلى قطبين كبيرين الشرقي الاشتراكي بزعامة
الاتحاد السوفياتي والغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
فماهي أسباب الحرب الباردة؟ وماهي
خصائص العلاقات الدولية خلال هذه الفترة؟
I – ظروف نشأة القطبية الثنائية ومظاهرها:
❶ ظروف نشأة القطبية الثنائية:
بروز الخلافات بين الدول المنتصرة في الحرب
العالمية الثانية خلال المؤتمرات التي عقدوها وهي:
- مؤتمر يالطا:
انعقد بجنوب أوكرانيا في فيفري 1945، تم فيه الاتفاق المبدئي على تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق نفوذ (أمريكية- انجليزية-
فرنسية- سوفياتية)
وتقديم الدعم المادي والسياسي للدول الأوربية لبناء اقتصادياتها و تحقيق نهضة
ديمقراطية تقوم على الانتخابات واحترام حقوق الإنسان .إلا انه برزت خلافات بين
الاتحاد السوفياتي وباقي الحلفاء حول طبيعة نظام الحكم الذي سيقام في بولونيا .
- مؤتمر بوتسدام: أبدى الرئيس الأمريكي ترومان احترازاته من الطموحات الترابية والسياسية
السوفياتية ( بعث أنظمة شيوعية) في أوروبا الشرقية.
- إقامة الاتحاد السوفياتي " للستار الحديدي "وهو تعبير أطلقه رئيس
الوزراء البريطاني تشرشل حين تحدث عن ستار
أنزله السوفيات بين أوروبا الشرقية التي أقدم السوفيات على بعث أنظمة شيوعية بها
وأوروبا الغربية ذات الأنظمة الحرّة واعتبر تشرشل التصرف السوفياتي خرقا صارخا
لمقررات ندوة يالطا.
- مذهب ترومان: وهو القرار
الذي التزم فيه الرئيس الأمريكي ترومان في مارس 1947 بالحد من
انتشار الشيوعية في أوروبا والعالم،بعدما تصاعد المد الاشتراكي في أوروبا ..
- ردّ الاتحاد السوفياتي على مذهب سياسة
الاحتواء التي اعتمدها ترومان بتأسيس "مكتب
الإعلام الشيوعي" (الكومنفورم) الذي يهدف إلى توحيد مواقف الأحزاب
الشيوعية في العالم لمواجهة الامبريالية.
❷ القطبية الثنائية ومظاهرها:
أ * البعد الإيديولوجي:
دافعت الولايات المتحدة الأمريكية بقوّة على المبادئ
الليبرالية أي عن الديمقراطية الغربية
بينما يدافع الاتّحاد السوفياتي على الماركسيّة – اللينينية ويرفع شعار
المساواة ويساند الأنظمة الديمقراطية الشعبية التي انتصبت في دول أوروبا
الشرقية.
ب* البعد الاقتصادي:
- طبقت الو.م.أ سياسة الاحتواء اقتصاديا من خلال "مخطط
مارشال" وتقديم مساعدات مالية مكثفة لحلفائها الرأسماليين من دول أوروبا
الغربية لأنها كانت تدرك بأن الرخاء الاقتصادي يوقف الزحف الشيوعي على أوروبا.
- بادر الاتحاد السوفياتي بتأسيس "مجلس
التعاون الاقتصادي" (الكوميكون)
سنة 1949 وضم بلدان أوروبا الشرقية باستثناء يوغسلافيا ويهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي
والرخاء الاجتماعي للدول الأعضاء.
ب* البعد العسكري:
تجسد من خلال تكوين الأحلاف السياسية والعسكرية وهي
بالخصوص:
II- من أزمات الحرب الباردة الى التعايش
السلمي:
❶ الأزمات الكبرى للحرب
الباردة:
ظهرت
خلال الحرب الباردة أزمات حادة بين الكتلتين هددت السلم وكادت تؤدي الى مواجهة
مباشرة بين العملاقين.
أ * حصار برلين:( 1948 – 1949)
- ظهرت هذه الأزمة سنة 1948 بسبب تصادم
المصالح حول تقرير مصير ألمانيا ,حيث قرر الاتحاد السوفياتي إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى برلين الغربية
ومحاصرتها اقتصاديا.
- دام الحصار قرابة سنة كاملة وانتهت الأزمة بفك الحصار بعد أن أقامت الو.م.أ جسرا جويّا لتموين القسم الغربي من برلين
واتفق العملاقان على تقسيم ألمانيا إلى دولتين هما ألمانيا الغربي
الرأسمالية وعاصمتها بون وألمانيا الشرقية
الشيوعية وعاصمتها برلين.
- اندلعت في جوان 1950 عندما هاجمت كوريا
الشمالية الشيوعية
كوريا
الجنوبية
الرأسمالية و توسع نطاق الحرب بعد ذلك عندما دخلت الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة, ثم الصين كأطراف في الصراع.
❷ التعايش السلمي سياسة
الانفراج:
أ * دوافع التعايش السلمي:
بعد وفاة ستالين 1953 تسلم خروتشوف
رئاسة الاتحاد السوفياتي وأعلن توجها جديدا للسياسة الخارجية السوفياتية، تقوم على سياسة التعايش السلمي بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي وقد
وجد التجاوب من الرئيس الأمريكي"كندي".ساهمت عدّة دوافع في اختيار المعسكرين لهذا
المنهج أهمها:
- هاجس الخوف من قيام حرب نووية مدمرة .
- ظهور قوى نووية جديدة انشقت عن الكتلة التي
كانت تنتمي لها مثل الصين الشعبية التي
توترت علاقاتها بالاتحاد السوفياتي سنة 1962 وفرنسا التي
انسحبت من الحلف الأطلسي سنة 1966.
- السبق التكنولوجي الذي حققه الاتحاد السوفياتي
في مجال غزو الفضاء بإطلاقه لأول قمر صناعي "سبوتنيك"
في أكتوبر 1957 ( القدرة على ضرب التراب الأمريكي مباشرة وبدقة انطلاقا من التراب
السوفياتي).
- تزايد مصاريف السباق نحو التسلح على حساب
تحسين مستوى عيش السكان خاصة بالاتحاد السوفياتي.
ب * مظاهر الانفراج:
III- عودة التوتر وانهيار الاتحاد
السوفياتي:
❶ الحروب الطرفية وعودة التوتر: وهي أزمات إقليمية هددت التعايش السلمي بين القطبين
وهي:
أ *ربيع براغ (1968):
حاول رئيس تشيكوسلوفاكيا تطبيق سياسة ليبرالية
نسبية وإقرار اشتراكية ذات "وجه إنساني" فتدخل الجيش السوفياتي لمنع هذا
التغيير السياسي للنظام الاشتراكي دون ردود فعل أمريكية قوية.
ب * حرب الفيتنام (1963 - 1973):
دعم الاتحاد السوفياتي فيتنام الشمالية
الاشتراكية للسيطرة على فيتنام الجنوبية المدعمة من الولايات المتحدة
الأمريكية،وانتهت الأزمة بعد سقوط ما يقارب ثلاثة ملايين من الضحايا، تكبدت فيها
الو.م.أ خسائر فادحة أجبرتها على الانسحاب وانتهت الحرب بالمصالحة الداخلية
للفيتناميين الشماليين والجنوبيين وتوحيد فيتنام تحت الراية الشيوعية سنة 1975.
ج * توسع النفوذ السوفياتي في
أمريكا اللاتينية وافريقيا:
- برزت في عدد من أقطار أمريكا اللاتينية (بوليفيا,السالفادور...) "حروب عصابات" ماركسية
هددت الأنظمة القائمة الموالية للو.م.أ ونجحت في بعث نظام شيوعي في بعض الأقطار
بدعم من الاتحاد السوفياتي وكوبا.
- امتد النفوذ السوفياتي أيضا إلى إفريقيا حيث
نجحت بعض الأنظمة الشيوعية في الوصول إلى الحكم في بعض الأقطار الإفريقية مثل أثيوبيا وأنغولا
والموزميق.
د * غزو الاتحاد السوفياتي لافغانستان
1979 - 1989 :
- عرف الانفراج انكسار كبير اثر الغزو السوفياتي
لأفغانستان وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الاقتصادي والعسكري
لباكستان وأفغانستان نظرا للخطر الذي يمثله الاكتساح السوفياتي على المصالح
الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر
الغربي الرأسمالي بمنطقة الشرق الأوسط والأقصى.
- كان رد الفعل الأمريكي قويا وتمثل في : إيقاف
تزويد URSS بالحبوب ومقاطعة الألعاب الأولمبية التي نظمتها موسكو سنة 1980 ورفض الكونغرس التوقيع على اتفاقية ستارت1 حول التخفيف من الأسلحة النووية.
هـ * أزمة الصواريخ الأوروبية:
زاد التوتر حدة بين الطرفين عندما ركز السوفيات
صواريخ "س س 20" المتوسطة المدى بأوروبا الشرقية والوسطى وردت الو.م.أ بنشر صواريخ "برشينغ2" في أوروبا الغربية كما عملت ابتداء من سنة 1989 في تنفيذ برنامج الدفاع الاستراتيجي
المعروف ببرنامج حرب النجوم.
❷ تصدع الكتلة الاشتراكية الأوروبية انهيار الاتحاد السوفياتي:
أ * انهيار
الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية:
- في بلونيا : نجحت القوى المعارضة في إجبار الشيوعيين على
تنظيم انتخابات حرة أدت إلى إقرار الحريات العامة والتعددية الحزبية وفوز "لاش فاليزا" بمنصب رئاسة الجمهورية سنة
1990.
- في المجر: أقدم الحزب الشيوعي على حل نفسه وتنظيم
انتخابات حرة سنة 1990 انتهت بفوز مرشحين على
"المندى الديمقراطي".
- في ألمانيا: وقع تهديم جدار برلين في نوفمبر 1989 ثم تحققت الوحدة الألمانية رسميا في أكتوبر 1990.
- في كل من بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا أسفرت
الانتفاضات الشعبية والانتخابات عن إزاحة الشيوعيين عن الحكم في أواخر 1989.
انهيارات متتالية للأنظمة الشيوعية
في أوروبا الشرقية بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وفشل سياسة "ميخائيل غورباتشوف" التي أدت إلى انهيار
الاتحاد السوفياتي.
ب * انهيار الاتّحاد السوفياتي:
حاول ميخائيل غوربتشوف
الذي وصل إلى السلطة سنة 1985 إصلاح الأوضاع
الاقتصادية والاجتماعية المتردية في الاتحاد السوفياتي واتخذ الإجراءات التاية:
- على المستوى الداخلي: اعتمد برنامج إصلاح هيكلي "البريسترويكا" بالحد من مركزية القرار
وتشجيع المبادرة الخاصة للنهوض بالاقتصاد وتحسين مستوى عيش السكان.
سياسة داخلية اصطدمت بمعارضة القوى
المحافظة في جهاز الدولة والمجتمع.
- على المستوى الخارجي: حاول العودة إلى سياسة الانفراج مع
الو.م.أ فسحب الجيوش السوفياتية من أفغانستان
وأوقف الدعم المالي للأنظمة الشيوعية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وسحب صواريخ
"س س 20" من أوروبا الشرقية ووقع اتفاقية "ستارت 1 " في
ديسمبر 1987 حول التخفيض من الأسلحة
الإستراتيجية.
استغلت بلدان أوروبا الشرقية هذه السياسة للتخلي عن النظام
الشيوعي والانسحاب من الكتلة الاشتراكية كما استغلتها جمهوريات الاتحاد
السوفياتي لإعلان استقلالها تتقدمها جمهورية روسيا
الاتحاديّة بزعامة "بوريس يلتسين"
الذي أجبر "غوربتشوف" يوم 25 ديسمبر 1991 على
إعلان استقالته من رئاسة الاتحاد السوفياتي الذي لم يعد له وجود.
خاتمة:
شهد ت العلاقات الدولية خلال فترة ما بعد
الحرب العالمية الثانية والى بداية التسعينات توترا وانفراجا،بسبب التنافس العام
الذي ساد بين القطبين الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي،والغربي الرأسمالي
بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية،ومع بداية التسعينات شهد الاتحاد السوفياتي
تفككا كاملا ،وعرف العالم نظاما عالميا جديدا يتميز بنظام القطبية الأحادية الذي
تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
|