درس :الميغالوبوليس الاوروبية

درس :الميغالوبوليس الاوروبية

مقدمة الدرس :تعتبر الميغالوبوليس الأوروبية أحد مراكز القوّة الكبرى الثلاثة في العالم المعاصر. وتضطلع بدور قيادي في الاتحاد الأوروبي وفي العالم بفضل ما تتمتع به من نفوذ قوي تستمده من التركز العالي للسكان والحواضر والأنشطة الاقتصادية.

فما هي مظاهر نفوذ الميغالوبوليس ؟وما هي عوامل تشكلها وتزايد نفوذها؟

I - مجال تركز قويَ للسكان والأنشطة الاقتصاديّة:
❶ موقع الميغالوبوليس في المجال الأوروبي:
أ * مجال يتوسط المحاور المهيكلة للاتحاد الأوروبي:

- تشكل الميغالوبوليس الأوروبية قوسا يمتد على طول يقارب 1500 كلم وعرض يتراوح بين 300 و 400 كلم ينطلق من وسط انقلترا ويمر بأقطار البينيلوكس ( بلجيكيا,هولندا ولكسمبورغ ) والشمال الغربي الفرنسي والمحور الريناني غرب ألمانيا وينتهي إلى إقليم " لومارديا " شمال ايطاليا .

- يشكل حوض نهر الراين بألمانيا القسم الأكبر من الميغالوبوليس وهي تتوسط المجال الأوروبي ومحاوره الرئيسية : القوس المحيطي غربا والقوس البلطيقي شمالا والقوس المتوسطي جنوبا والقوس الدانوبي شرقا .

ب * مجال عابر للقارات والحواجز الطبيعيّة:

تعد الميغالوبوليس الأوروبية على عكس الميغالوبوليس الأمريكية واليابانية مجالا عبر-حدودي وعبر - قطري إذ تتشكل من تجمعات حضرية تتوزع على 8 أقطار باعتبار سويسرا ( غير منخرطة في الاتحاد )( المملكة المتحدة وهولندا وبلجيكا ولكسمبورغ وفرنسا وألمانيا وإيطاليا)، كما تتخطى العوائق الطبيعيّة فهي عابرة لبحر الشمال ولجبال الألب بفضل الأنفاق علاوة على كونها مجال متعدد اللغات والثقافات.

❷ تجمعات حضرية تنظم الميغالوبوليس والمجال الأوروبي:

أ * تجمعات حضرية متعددة ومتصلة خاصّة في حوض نهر الراين:

تحشد الميغالوبوليس الأوروبية قرابة 40 % من سكان الاتحاد الأوروبي على مساحة تزيد عن 1/10 بمعدل كثافة يتراوح بين 200 و 500 س/ كلم².

- ترتفع نسبة التحضر بالميغالوبوليس الأوروبية (تفوق 80 % ) إذ تعد أكثر من 60 مدينة يتعدى عدد سكان الواحدة منها الـ 100 ألف نسمة و 23 مدينة مليونية تنتظم في تجمعات حضرية كبرى أهمها: لندن الكبرى, الرانشتاد في هولندا, مثلث "أنفرس غاند - بروكسال"

في بلجيكيا , ليل - روباي - توركوان في الشمال الغربي الفرنسي, الراين - روهر,

الراين - ماين والراين - نيكار على طول نهر الراين بألمانيا وميلانو شمال ايطاليا.

- تتميز هذه التجمعات الحضرية بالتواصل رغم وجود حواجز طبيعية وذلك بفضل كثافة شبكة النقل.

ب * حواضر كبرى تنظم المجالين الأوروبي والعالمي:

- أدت ظاهرة الحوضرة التي شهدها النظام الحضري الأوروبي في العقود الأخيرة إلى بروز حواضر تضم أنشطة اقتصادية متنوعة وتتسابق فيما بينها على جذب الاستثمار والشركات عبر القطرية واليد العاملة المتخصصة وخدمات " الثالث العالي " وصناعات التكنولوجيا العالية.

- تشكل هذه الحواضر عقدا لوجستية تنطلق منها وتنتهي إليها محاور النقل.

- عززت هذه الحواضر قدرة الميغالوبوليس على التحكم في المجال الأوروبي وتنظيمه وأهلته للقيام بدور الواجهة الاقتصادية التي تربط اقتصاد الاتحاد الأوروبي باقتصاد بقية أقطاب الثالوث ويمكن التمييز بين 4 أصناف من الحواضر:

حاضرة عالمية وهي لندن التي تعتبر أكثر حواضر الميغالوبوليس إشعاعا ونفوذا في الاتحاد الأوروبي والعالم.

حواضر أوروبية يتجاوز إشعاعها حدود القطر ليشمل المجال الأوروبي مثل أمستردام , بروكسال ,ستراسبورغ ,فرانكفورت,روتردام...

حواضر وطنيّة مثل ميلانو.

حواضر إقليمية مثل شتوتغارت وتورينو.

❸ تركز شديد للأنشطة الاقتصاديّة:(مظاهر نفوذ الميغالوبوليس):
أ * نسيج صناعي عريق وقوي ومتجدد:

توجد بالميغالوبوليس أكبر وأعرق التجمعات الصناعية في الاتحاد الأوروبي , وتتركز الأنشطة الصناعية في الحواضر المينائية المطلة على الواجهة البحرية الشمالية وفي الأحواض المنجمية الداخلية مثل الروهر في ألمانيا واللورين بفرنسا التي تشهد انتشار صناعة التكنولوجيا العالية التي عوضت الصناعات القديمة المتأزمة وعززت القوّة الإنتاجية الصناعية للميغالوبوليس التي توفر الحصة الأكبر من القيمة الجملية للإنتاج الصناعي والقيمة المضافة الصناعية في الاتحاد الأوروبي ويتمركز بها عدد هام من الشركات عبر القطرية.

ب * تركز متزايد لخدمات الثالث العالي:

تعد الميغالوبوليس الأوروبية مركز القوة الاقتصادية الأوروبية وأحد مراكز الدفع الكبرى للاقتصاد العالمي إذ توفر قرابة 2/3 الن.د.خ للاتحاد الأوروبي.

- تعتبر من أكبر المجالات التجارية والاستهلاكية والاستثمارية في العالم,علاوة على ما تتمتع به من تأثير سياسي وإشعاع علمي وثقافي.

- تستأثر الميغالوبوليس الأوروبية بالوظائف التقريرية والقيادية إذ تأوي حواضرها المؤسسات الأوروبية وبعض المؤسسات الدولية والمقرات الاجتماعية للشركات عبر القطرية الأوروبية والأجنبية وبورصات ذات وزن عالمي مثل بورصة لندن .

- تأوي عددا كبيرا من المؤسسات العلمية ومراكز البحث والتطوير وتحتضن المؤتمرات والملتقيات السياسية والاقتصادية والعلمية الدولية.

تركز هام للأنشطة الخدمية عموما وخدمات الثالث العالي خصوصا منح الميغالوبوليس الأوروبية وزنا اقتصاديا كبيرا ودورا قياديا بارزا في الاتحاد والعالم.

-II عوامل تشكل الميغالوبوليس وتزايد نفوذها:
❶ عراقة التعمير وأسبقية التصنيع:( عامل تاريخي )

أ * موطن تعمير عريق:

يعتبر مجال الميغالوبوليس موطن تعمير عريق في أوروبا يعود إلى عصر الثورة الصناعية في القرن 19 والتي ارتكزت على ما يتوفر في هذا المجال من ثروات باطنية هامة كالفحم الحجري وخام الحديد مما أفضى آنذاك إلى تشكّل مناطق صناعية كبرى في أقاليم الروهر وفي شمال فرنسا وفي هولندا... وقد مثلت هذه المناطق الصناعية النواة الأولى للميغالوبوليس.

ب * أسبقيّة في البناء الاقتصادي:

تلازمت عراقة التعمير مع حركية اقتصادية انطلقت منذ بداية العصر الوسيط بتنامي النشاط التجاري وبروز أقطاب تجارية تاريخية مثل جنوه والبندقية وميلانو ثم تعززت بتراكم الثروات بعد الاكتشافات الجغرافية الكبرى والتجارة المثلثة ثم عززت الثورة الصناعية مركزية هذا المجال الذي شهد ثورة علمية وتقنية عجلت بإرساء النظام الرأسمالي الصناعي وتشكلت عدّة مناطق صناعية.

❷ السياسات الأوروبية المشتركة تعزز قوة الميغالوبوليس :

استفادت الميغالوبوليس من سياسات أوروبية مشتركة عززت التركز السكاني والاقتصادي ودعمت نفوذها الأوروبي والعالمي:

أ * دور سياسة التنمية الإقليمية:

اضطلعت بانجاز المشاريع الحضرية المشتركة بواسطة المبادرتين الأوروبيتين :

- مبادرة"أوربان"التي تهدف لدفع عملية التنمية في المدن الأوروبية ودعم المؤسسات الاقتصادية .

- مبادرة"تنمية الأقاليم الحدودية"التي أعطت دفعا قويا للتعاون الحدودي خاصة على طول نهر الراين.

ب * دور سياسة النقل المشتركة:

ساهمت في تشكل الميغالوبوليس بربط الشبكات الوطنية للأقطار الأعضاء وتدعيمها بمحاور نقل جديدة متعددة الاتجاهات ضمن الشبكة عبر - الأوروبية لتيسير الاندماج بين الحواضر.

ج * دور البناء الأوروبي المشترك:

أدى إلغاء الحواجز الجمركيّة وبعث السوق الموحّدة وتوحيد العملة الأوروبية إلى تنامي الأدفاق الماليّة و أدفاق السلع وزاد في تحركية اليد العاملة والشركات الأوروبية داخل المجال الأوروبي وعزز مكانة الميغالوبوليس في اقتصاد الاتحاد الأوروبي ودعم نفوذها الإقليمي والعالمي.

❸ شبكات نقل واتّصال كثيفة:

ساعدت شبكات النقل على التركز البشري والاقتصادي في حواضر الميغالوبوليس وعلى ترابطها.

أ * نقل بحري ونهري نشيط:

- موانئ الواجهة الشمالية : تمثل بوابة الميغالوبوليس وتوجد ضمنها أكبر الموانئ في أوروبا والعالم مثل ميناء روتردام وميناء أنفرس وتستقطب القسم الأكبر من صادرات وواردات الاتحاد الأوروبي وتنتهي إليها محاور النقل الحديدي والطرقي والنهري وقنوات نقل المحروقات.

- نهر الراين ومعابر الآلب: يمثل نهر الراين "طريقا سيارة سائلة" تمتد على قرابة 800 كلم قابلة للملاحة النهرية بفضل أعمال التهيئة التي شهدها وبفضل تهيئة الأنفاق والممرات العابرة للآلب وهو يربط موانئ الواجهة الشمالية والبحر المتوسط ويستند إلى عقد لوجستية أهمها فرانكفورت وكولونيا وأكبر ميناء نهري في العالم وهو دويسبورغ.

ب * شبكات كثيفة من الخطوط الحديدية والطرقات:

- تشكل خطوط النقل الحديدي والطرقي محاور كبرى تربط حواضر الميغالوبوليس وتتجه خاصة من الشمال إلى الجنوب مثل الخط الحديدي " ميلانو - بال - فرانكفورت - كولونيا - أمستردام " والطرقات السيارة الموازية لنهر الراين.

- تشهد الطرقات السيارة اكتظاظا كبيرا يعالج بإنشاء محاور نقل جديدة مثل الخط الحديدي فائق السرعة باريس - ليل - أمستردام - كولونيا وبإنشاء ممرات مخصصة لنقل البضائع.

ج * شبكة مطارات نشيطة تدعم النفوذ العالمي للميغالوبوليس:

تستفيد الميغالوبوليس من مجموعة مطارات هي الأكبر في أوروبا أهمها مطارات لندن،أمستردام وفرانكفورت وشبكة اتّصالات حديثة تربط بين مراكزها الكبرى وتيسر ربطها بالمراكز الاقتصادية الكبرى في العالم.

عوامل مختلفة منحت الميغالوبوليس الأوروبية قوّة جذب كبيرة ونفوذا إقليميا وعالميّا.

خاتمة :

تمثل "الميغالوبوليس" مركز القوة الأوروبية لكن ما تشهده من تركز قوي للسكان والأنشطة الاقتصادية يسبب إختلالات جلية في المجال الأوروبي يسعى الأوروبيون للحد منها وتحقيق الإدماج الكامل للأقاليم الأوروبية في الاقتصاد العالمي.